top of page

أطفالنا.. غدا أزواج!

  • عبدالله الطارقي
  • 21 نوفمبر 2023
  • 3 دقائق قراءة

تمر (الأسرة) اليوم عالميًا بمنعطفات تهددها من كل جانب، وقد ثبت للعالم اليوم أننا أنقى من اعتنى بالأسرة وحافظ على أركان فطريتها على كافة الأصعدة الرسمية والأخلاقية.

ولهذا ربما يسوغ لنا تكرار النظر مرة أخرى، لاستكمال بناء الأسرة وحماية مستقبلها من خلال إعادة النظر في اللحظات الأولى لتكوينها!

وربما لأن البشرية وجدت أن مجرد النصائح التي تعطى للشابين قبل الزفاف بلحظات قليلة الجدوى، ابتكرت على نحو مستحق برامج التدريب والتأهيل للمقبلين على الزواج، ومع ذلك فيمكننا القول: إن ميثاقا غليظًا مستدامًا على هذا النحو يستدعي تعاضد مدخلات أكثر وتنويع مؤثرات تعضد تلك البرامج التدريبية لنحصل نتائج أعظم لمجتمعاتنا وأوطاننا.

وبالرجوع إلى نصوص الوحي نجد أن أول علاقة بشرية في تاريخ الإنسان لم تكن الصداقة، ولا الأُخُوَّة، بل هي العلاقة الزّوجية! وهذه أولى المعاني التي نلتقطها من النّصوص التي عَرَضَت لنا قصة خلق الله تعالى لآدم وحواء عليهما السلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].

إنها القصة التي تُخبرنا أن العلاقة الزّوجية بدأت من الجنّة، وربما لهذا كانت سعادة الزّوجين جنّة أرضية؛ ولهذا أيضًا سرعان ما تُثِير تلك السعادة حفيظة عدو آدم الأول، ليَجْلِب على الزّوجين وسعادتهما بخَيْلِه ورَجلِه بإلحاح شديد؛ طمعًا أن يُفسد تلك الجنة الأرضية! وكيف نتوقَّع أن يتركنا في جنتنا الأرضية وهو الذي أزعَجَ الأسرة الأولى في الجنّة الأولى!

ألم تر أن الآيات أخبرتنا أن الله خلق نفس حواء من نفس آدم! قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]. وهذا يحضر منظومة نفسية تناولها القرآن في 298 موضعًا في القرآن الكريم أعني "النفس" مما يزيد الأمر أهمية وحساسية، ويشعرنا بأن الزّوجية فلسفة أعمق مما نتصور، ولم لا؟ فالزوجية في الأصل تَطَال أصل الكون كله؛ إذ خلق الله تعالى كونه وفق نظام الزّوجية، فقال جل شأنه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]. لتبقى الأحدية من خصائصه سبحانه الواحد الاحد الفرد الصمد!

ولهذا فالدعوة إلى نقل معرفتنا الثرة عن الزوجية إلى باحة بناء النظريات بل وتأسيس علم الزوجية، برؤية تستند إلى عمق ثقافتنا، كما تستند إلى تجربتنا عبر القرون وتستفيد من تجارب الآخرين! أمر من الأهمية بمكان. ومن ثراء ثقافتنا في مسألة الزوجية وجد العلماء أن حضور مسألة الزواج في التراث العربي غزير جدًا، كما صَرَّحَ الثعالبي بذلك، حيث أفاد أن العرب وضعت للزواج مائة اسم! بل يُضيف ابن القطَّان أن العرب وضعت للزواج أضعاف ذلك بكثير، حيث يقول إنها بلغت ألف اسم! (كما نقل الدميري في النجم الوهاج شرح المنهاج).

ولأجل هذا العمق للزوجية، وللزمن الطويل المراد من الزوجين أن يقضياه في رباط الزوجية، ولثقل المسؤوليات الملقاة على عاتق الأسرة ومطلوب منها الوفاء بها نحو الأجيال ونحو المجتمع ونحو الوطن والبلاد بعمومها، كان لابد من تظافر زوايا النظر، فليس الجانب الاجتماعي أو الصحي وحدهما القادران على تصحيح مسيرة أسرنا القادمة، بل لابد من حضور أنظار متعددة ومنها النفسي والتربوي لأن التنشئة من بواكير الطفولة هي الضمانة لبقاء تلك القيم وتأصل تلك المهارات والمعاني التي يحتاج الزوجان أن تكون متجذرة ومتأصلة تختلط بالدم وينمو منها اللحم والعصب بأبلغ مما تلهمه الرضاعة من معاني تصحب الرضيع في باقي حياته.

هل نحن بهذا نجعل الوالدان مسؤولان عن استمرار أو تعثر أسر أولادهم حديثة النشأة؟ بطبيعة الحال الوالدان أعظم مؤثر في أولادهم وهذا محل اتفاق، وهذا لا يلغي تأثير باقي المؤسسات التي تتعامل معنا ومع ناشئتنا، لكن يبقى للوالدين البصمة الأبقى والمسؤولية الأهم في مستقبل أولادهم.

ثم إنه لا يوجد والدان إلا وغاية مُناهما أن يَرَيا أولادهما سعداء في حياتهم الزّوجية، وهذه مُسلَّمة نتفق عليها جميعًا؛ ولأجلها يبذل الوالدان سيلاً من الابتهالات المُلِحَّة إلى الله تعالى كي يُسعِد أولادهم في زواجهم.

وهو الأمر الذي يعني حضور تربية جادة لأجل ذلك المستقبل المنشود لأولادنا، لا أن نترك الأمر إلى اللحظة الأخيرة على مشارف هذا النظام الكوني -الزّوجية-، ونكتفي بالنصائح الما قبل الزفاف ثم نتوقع كافية ذلك!

إن إعداد الأولاد لمسؤولية الزواج هو نفسه مشروع إعداد الطفل لتحمُّل مسؤولية العبادة، ومسؤولية البر، ومسؤولية ذكر الله تعالى! ولهذا لابد أن نحضر فيه رؤيتنا في تصنيف المراحل العمرية، ثم نتتبع مقاصدنا الدينية والاجتماعية والوطنية والتربوية وفق ذلك التصنيف العمري شيئًا فشيئًا حتى يكتمل البناء.

وهذه الدراسات -اليوم- تثبت بما لايدع مجالا للشك تأثير التنشئة في مستقبل زواج أولادنا، وعلى سبيل المثال لا الحصر في دراسة بعنوان علاقة أساليب المعاملة الوالدية باستمرار زواج الأبناء والإناث أو فشله، لصباح الرفاعي، 1990، من جامعة أم القرى، أثبتت أنه كلما كانت معاملة الأب إيجابية مع ابنته كلما ساعد ذلك على استمرار زواجها، وكلما كانت معاملته سلبية كلما دلّ على أن زواجها مهددًا بالطلاق، وكلما كانت معاملة الأمّ إيجابية مع ابنتها كلما ساعد ذلك على استمرار زواجها، وكلما كانت معاملتها لها سلبية كلما أمكن القول إنّ زواجها سوف يكون مهددًا بالطلاق!

في كتاب "أطفالنا غدا أزواج!" عرض لخطوات ومراحل متتابعة تعين الوالدين في إعداد أولادهم لمسؤولية الزواج، في مهام تبدأ من بواكير الطفولة ولا تتوقف حتى بعد أن يتزوج الأولاد ويرزقوا الأولاد والذرية.

وإن العلاقة الزّوجية تستحقّ منا كلّ ذلك الاهتمام وهي كذلك عند عقلاء كلّ أمّة. ولهذا قال ول ديورانت في (مباهج الفلسفة): لقد عميت أبصارنا في غمار حروبنا وآلامنا عن أن حقيقة الحياة الأساسية ليست في السّياسة ولا في الصّناعة، بل في العلاقات الإنسانية، أي في ارتباط الرجل بالمرأة (الزوجية) والآباء بالأبناء.



 
 
 

Comments


Artboard 3_3x-8.png

مشروع نفساني تربوي اجتماعي بإشراف الدكتور عبدالله الطارقي

2024

bottom of page