top of page

ماهي كلمات الله في ميدانك؟


لكل إنسان ميدانه، ولكل ساع مبتغاه، وكل ميسر لما خلق له، إنْ في البناء والعمران، أو في التجارة وإنفاق السلع، أو في التربية والتعليم أو في التنمية الاجتماعية على اختلاف صور عنايتها بالمجتمع وأطيافه، ومختلف احتياجاته، غير أنّ الجميع شعر أو لم يشعر ينتهج طريقة محددة اقتنع بها وسار عليها لتحقيق غاياته، وانجاح مآربه.

حملني على تأمل هذا المشهد آية من كتاب الله تعالى، فجمعت مثيلاتها فإذا بهن يشرن إلى ذات الاتجاه.. ودعني أتقاسم معك هذا المعنى:

حين خرج الصحابة رضوان الله عليهم في يوم بدر لاعتراض قافلة قريش، أراد الله تعالى لهم منازلة قريش لا عيرها، ومنازلة سيوفها، لا غنيمة أقواتها، وجاء في ذلك قرآن يتلى راصدًا الحدث حتى تفاصيله التي في صدورهم، قبل أن تلفظ بها ألسنتهم؛ فقال الله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7].


سياق الآية كما ترى سياق قتال، لكن الله يخبر في نهايتها أن الحق يحقه الله بالكلمات!! تأمل الكلمات وليس السلاح مع أن الميدان قتال!! وقبل أن نتعجلفنقول: إن الكلمات سلاح آخر، تأمل معي آيات أخرى في نزال آخر، النصرة فيه -أيضًا- بالكلمات، والكلمات فقط!! قال تعالى{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 79 - 83].


المشهد مهيب، واللحظة تحبس الأنفاس، موسى عليه السلام في مواجهة فرعون وسحرته، لكن الآيات تخبرنا بالقانون نفسه أن الحق يحقه الله بالكلمات!! والكلمات فقط.


وتأمل هذا المشهد الثالث الذي يأتي بالتركيب نفسه، قال تعالى {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِاللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى: 24].

بالصياغة نفسها يخبر الله تعالى كيف ينتصر الحق على الباطل بكلمات الحق سبحانه، في كل مرة، في المشهد الأول النصرة بالكلمات، في المشهد الثاني النصرة بالكلمات، في المشهد الثالث النصرة بالكلمات!

كأن الكلمات أقوى من السلاح، وهل في ذلك شك؟وأي سلاح هذا الذي لديه خاصية اختراق حدود الزمن أكثر من كلمات الله التي كتب الله لها الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. وأي هدى ورشد أنجح مسعى من مسعى يهتدي بكلمات الله!


إن حضور كلمات الله في القتال والإيمان وفيالتربية والنفس والاجتماع..... الخ بها فقط تكون إصابة الحقيقة، وحصول الخير، والنصر، والظفر.. ومع غياب كلمات الله لا حق ولا خير ونصر ولا ظفرفي أي ميدان

ومن هنا يحق لك أن تسأل نفسك ماهي كلمات الله في ميدانك؟ ماهي كلمات الله في محل اشتغالكومجال اهتمامك؟ هل تعرفها؟ هل ضبطت معانيها؟

هل عرفت كيف توظفها لتنجح بها في ميدانك؟

هل فكرت كيف تدبر بكلمات الله بيتك؟

هل تأملت كيف تربي بكلمات الله ولدك؟

هل عرفت كيف تنجح بكلمات الله مشاريعك؟

هل جال بخاطرك كيف تمتن بكلمات الله ثقافتك وتقيم بها أود فكرك؟


لن تعبر إلى نجاح ثابت راسخ يصل الدنيا بالآخرة بدون كلمات الله، لأن قوانين الحق فيهما إليه وحده لا بآرائنا ولا تجاربنا مهما بلغت!! يقول الشنقيطي وقال تعالى: "وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ" لا بآرائنا، ولا مقاييسنا" (أضواء البيان: 4/ 209).

وحين تحرر كلمات الله تعالى في ميدانك فإنك ضمنت الحلول الراسخة لأن كلمات الله لا أرسخ منها ولا أشد ثباتًا منها {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64].

ولا تتوقع شح كلمات الله تعالى أن تستوعب ميادين حياتك، ونشاطك ومعاشك وقضاياك فإنه لا نفاد لها {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27].

كلنا يروم أن يصيب الحق في سعيه، والآيات تشير إلى أن الوصول للحق إنما هو بالكلمات!! وكيف لا يصيب من اهتدى بكلمات الحقِ الحقَ، فالحقيقة تكمن فيما اقترب من الحق سبحانه وكلما ابتعدت عنه تغشاك الوهم بقدر بعدك عن الحق سبحانه!

جرب أن تحرر معنى نفسيًا أو تربويًا أو اجتماعيًا وأنت تنطلق من كلمة من كلمات الحق سبحانه؛ ستجد نفسك تقف على أرضية راسخة، وتمتح من معنى غزير بليغ متعدد الأوجه كريم المناشط.


إن النّفساني الذي يؤسس علمه حول "النّفس" باعتبار كلمة النّفس من كلمات الحق {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [الشمس: 7] فيتحرك عبر مفهومها في وحيه سيؤسس لعلم بالنّفس لم تعرفه المعاملالنفسية التجريبية حتى الساعة! والتربوي الذي يؤسس علمه حول "التربية" باعتبارها من كلمات الحق {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18]، فيتحرك عبر مفهومها في وحيه سيؤسس لعلم بالتربية لم تعرفه النظريات التربوية المعاصرة، والاجتماعي الذي يؤسس لعلم بالاجتماع الإنساني باعتبار "الاجتماع" كلمة من كلمات الحق {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء: 88]، فيتحرك عبر مفهومها في وحيه سيؤسس لعلم بالاجتماع الإنساني على نحو لم تعرفة النظريات الاجتماعية حتى اللحظة!

وعلماء هذه العلوم والباحثون فيها حين يؤسسونها من خلال كلمات الحق تلك وأسرها المفهومية بتحرير علمي شمولي يؤسسون به علومهم برسوخ، شريطة أن لا يخالط جهدهم أي تواصل بأي تجربة إنسانيةقبل بلوغ الغاية في سعيهم الحضاري عبر كلمات الحق سبحانه! وبعد ذلك لن يضرهم أي اتصال بأي تجربة على الأرض قديمة أو حديثة!

واليوم تلح مناهج بناء النظريات، و (أبستمولوجيا) العلوم على الثبات وتماسك أبعاد النظرية ومكوناتها، والنظرية النفسية، والتربوية، والاجتماعية، التي تنطلق من كلمات الحق وفق قوانين العلم -لا مجرد الوعظ بالكلمات- أشد ثباتًا ورسوخًا وقدرة على التفهم والتفسير والتنبؤ والتبيّن والبيان المنضبط. والله أعلم

Comments


bottom of page